الدرون الغامض في سماء أمريكا: لغز تقني يثير القلق والجدل
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية في الأشهر الأخيرة من عام 2024 واحدة من أغرب الظواهر التي أثارت الجدل في
الأوساط السياسية والأمنية، بل وحتى بين المواطنين العاديين، وهي ظاهرة ظهور طائرات مسيرة غامضة، تُحلق في سماء بعض الولايات دون أن يُعرف مصدرها أو الهدف من
وجودها. لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل تكررت بشكل شبه منتظم، ما دفع العديد من المسؤولين والمواطنين للتساؤل: من يقف وراء هذه الطائرات؟ ولماذا الآن؟
بداية الظهور
بدأت المشاهدات الأولى للطائرات المسيرة المجهولة في ولاية نيوجيرسي، ثم امتدت بسرعة إلى ولايات مجاورة مثل نيويورك وكونيتيكت وبنسلفانيا. كانت تحلق ليلًا في تشكيلات
غريبة ومنظمة، ما أعطى انطباعًا بوجود جهة تقنية متقدمة وراء تشغيلها. بعض الشهود أشاروا إلى أن الطائرات كانت مجهزة بأضواء خافتة تتحرك بهدوء ودون إصدار أي صوت يُذكر، ما زاد من غموض الموقف.
المثير للقلق أن الطائرات كانت تحلق فوق مواقع حيوية، مثل محطات الطاقة الكهربائية وخزانات المياه الكبرى وحتى قرب
المطارات، وهو ما فسره البعض كاختبار لاختراق البنية التحتية الأمريكية، أو ربما رسالة خفية من جهات مجهولة.
ردود فعل رسمية مرتبكة
رغم البلاغات المتكررة من المواطنين، تأخر رد الفعل الرسمي في البداية، لكن مع تزايد البلاغات وتحول الظاهرة إلى حديث
الساعة، فتحت عدة وكالات تحقيقات موسعة، من ضمنها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووزارة الأمن الداخلي (DHS). كما أعلنت إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) أنها
تحقق في نشاطات طيران غير مصرح بها، مشيرة إلى أن الطائرات لم تسجل في أي من قواعد بياناتها المعتمدة.
ومع تفاقم الأزمة، خرج بعض المسؤولين بتصريحات لطمأنة الرأي العام. إلا أن غياب إجابات دقيقة زاد الشكوك. الرئيس
السابق دونالد ترامب، علّق عبر منصته قائلاً: "أي جسم مجهول في سماء أمريكا يجب أن يُسقط فورًا"، مشيرًا إلى فشل الحكومة في حماية الأجواء الوطنية.
فرضيات متعددة
مع انعدام الأدلة المؤكدة، بدأت تتوالى النظريات حول هذه الطائرات الغامضة. بعض المحللين ذهبوا إلى احتمال أن تكون اختبارات سرية تقوم بها إحدى وكالات الاستخبارات الأمريكية
دون تنسيق مع السلطات المحلية، وهو أمر وارد في عالم التجسس العسكري. آخرون رجحوا فرضية التجسس الصناعي من قبل شركات تكنولوجية كبرى، قد تستخدم الدرونز لمراقبة البنية التحتية أو جمع بيانات معينة.
أما الأكثر إثارة للجدل، فكانت الفرضيات التي تربط هذه الطائرات بجهات أجنبية، خصوصًا في ظل التوتر التكنولوجي بين أمريكا والصين وروسيا. فقد تحدثت تقارير عن أن بعض الطائرات تشبه تقنيًا الطرازات المصنعة في آسيا، رغم عدم وجود أدلة قاطعة على ذلك.
مخاوف أمنية وتقنية
ما زاد الطين بلّة، أن هذه الحوادث كشفت عن ثغرات واضحة في قدرة أمريكا على مراقبة وحماية أجوائها الداخلية. فإذا كانت هذه الدرونز قادرة على التحليق بحرية فوق منشآت حساسة دون أن يتم إسقاطها أو حتى تتبعها، فذلك يطرح تساؤلات كبيرة حول فعالية أنظمة الرادار والرصد، وقدرة الحكومة على الاستجابة السريعة لمثل هذه التهديدات المحتملة.
وبينما أعلنت وزارة الدفاع (البنتاغون) أنها لم ترصد أي خطر مباشر، اعترف مسؤولون عسكريون بأن هوية الجهات المشغّلة ما تزال غير معروفة، وأن الدرونز تتمتع بقدرة عالية على المناورة وتفادي وسائل الرصد التقليدية.
الدرون الغامض الذي ظهر في سماء أمريكا ليس مجرد حادث تقني، بل مؤشر واضح على تغير طبيعة التهديدات في العصر الرقمي. ففي وقت تتسابق فيه الدول والشركات على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات دون طيار، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب أمام لغز لا تملك له حتى الآن تفسيرًا مقنعًا.
الحادثة تفرض على المؤسسات الأمريكية مراجعة أدواتها في مراقبة المجال الجوي، وتحديث آليات الرد والتعامل مع مثل هذه الحوادث، لا سيما في ظل ازدياد استخدام الدرونز لأغراض مدنية وعسكرية على حد سواء.
وفي ظل الصمت الرسمي والغموض المستمر، يبقى السؤال مفتوحًا: من يملك هذه الطائرات؟ وما هدفه الحقيقي؟ وإلى متى ستظل سماء أمريكا مشرعة أمام أجسام لا يُعرف عنها شيء؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق