في زمن بعيد، في عصرٍ سيطر فيه الظلم والشرك على الناس، وُلدت قصة من أعظم قصص الإيمان والثبات:
قصة أصحاب الكهف، التي ذكرها الله عز وجل في سورة الكهف، لتكون عبرة للأجيال.
بداية القصة
كانت هناك مدينة عظيمة يحكمها ملك جبار ظالم، لا
يسمح لأحد أن يعبد غير الأصنام. كان كل من يخالفه مصيره الموت أو السجن. في هذه المدينة، نشأ
مجموعة من الشباب، امتلأت قلوبهم بحب الله وحده،
ورفضوا أن يسجدوا لغيره. آمنوا أن للكون خالقًا واحدًا، فقرروا أن يتمسكوا بإيمانهم مهما كلفهم الأمر.
ومع ازدياد الظلم وتضييق الخناق عليهم، اجتمع هؤلاء
الفتية سرًا وتحدثوا بينهم عن إيمانهم وخوفهم من بطش الملك. كانوا يعلمون أن المواجهة ستكون قاسية، لكن إيمانهم كان أقوى من الخوف.
قرار الهروب
في لحظة حاسمة، قرر الفتية أن يهربوا بدينهم إلى
كهف بعيد خارج المدينة. لم يأخذوا معهم سوى القليل من الزاد وبعض الأموال البسيطة. تركوا أهلهم وبيوتهم
وأمانهم، وذهبوا في رحلة مجهولة المصير، كل هذا من أجل الله.
رافقهم في رحلتهم كلبهم الأمين، الذي ظل وفيًا لهم وحرسهم طوال هذه المغامرة العجيبة. اتجهوا إلى كهف
مهجور وسط الجبال، وهناك قرروا أن يستريحوا قليلًا، آملين أن يفرج الله عنهم كربهم
المعجزة الإلهية
بمجرد أن دخلوا الكهف، وقبل أن يستغرقوا في نومهم، توجهوا إلى الله بالدعاء:
"رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا" (الكهف: 10)
وهنا حدثت المعجزة الكبرى!
أنامهم الله نومًا عجيبًا استمر ثلاثمائة وتسع سنوات.
كانت الشمس حين تشرق تميل عنهم حتى لا تؤذيهم بحرارتها، وعندما تغرب تتركهم في ظل مريح.
أجسادهم لم تتغير، ولم تتآكل رغم طول السنين، وكان كلبهم باسطًا ذراعيه بالوصيد (مدخل الكهف) يحرسهم
الاستيقاظ بعد قرون
بعد مضي هذه السنوات الطويلة، أيقظهم الله كأنهم
ناموا يومًا أو بعض يوم. نظر بعضهم إلى بعض، مستغربين حالتهم. قالوا فيما بينهم:
"كم لبثتم؟"
قالوا: "لبثنا يومًا أو بعض يوم".
الجوع اشتد عليهم، فأرسلوا أحدهم إلى المدينة ليشتري لهم طعامًا، لكنهم أوصوه بالحذر وألا يشعر به أحد.
دخل الشاب المدينة وهو يتلفت حوله، لكنه لاحظ أن كل شيء قد تغير: المباني، الثياب، وحتى طريقة
الكلام! وعندما دفع دراهمه القديمة للبائع، اندهش الجميع من غرابة العملة، وظنوا أنه اكتشف كنزًا أثريًا!
سريعًا، انتشر خبر الشاب في المدينة، واجتمع الناس حوله، وسألوه عن قصته. وعندما علموا الحقيقة،
أدركوا جميعًا أن ما حدث هو معجزة إلهية حية أمام أعينهم، ودليل على البعث بعد الموت.
نهاية القصة
عاد الشاب إلى رفاقه في الكهف، لكنه وجد أن موعد رحيلهم إلى الله قد حان. قبض الله أرواحهم جميعًا
وهم على إيمانهم الكامل. أصبح الكهف مزارًا يتحدث عنه الناس جيلًا بعد جيل.
وقد اختلف الناس حول قصتهم وعددهم، لكن القرآن علمنا ألا نخوض في ذلك كثيرًا، بل نأخذ العبرة من
معانيها الكبرى: الصبر، الثبات على الحق، والثقة المطلقة برحمة الله وقدرته.
الدروس المستفادة
قصة أصحاب الكهف تحمل في طياتها معاني عظيمة لكل من يبحث عن الهداية:
الصبر والثبات: مهما كان الظلم من حولك، تمسك بإيمانك ولا تتنازل عن مبادئك.
الهجرة إلى الله: إذا لم تستطع أن تعبد ربك بحرية، فابحث عن مكان يمكنك فيه أداء عباداتك بأمان.
الثقة برحمة الله: حتى لو بدا الطريق مظلمًا، ثق أن
الله معك يرعاك وينصرك.
الإيمان بالبعث: كما بعث الله أصحاب الكهف بعد مئات السنين، فهو قادر على بعث الناس يوم القيامة.
قصة أصحاب الكهف تبقى واحدة من أعظم القصص التي تجسد معنى الإيمان الحقيقي بالله، والثقة بوعده. هي رسالة لكل الأجيال أن النور مهما خفت بريقه في زمن الظلمات، سيعود يومًا لينير العالم كله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق