حريق سنترال رمسيس: كارثة اتصالات في قلب القاهرة
في مساء يوم الإثنين الموافق 7 يوليو 2025، اهتز قلب
العاصمة المصرية القاهرة على وقع حادث أليم تمثّل في نشوب حريق هائل داخل مبنى سنترال رمسيس، أحد أقدم وأهم مراكز الاتصالات في البلاد. لم يكن الحريق مجرد حادث
عرضي، بل كشف عن ثغرات كبيرة في منظومة السلامة والتقنية، وترك آثارًا ملموسة على خدمات الاتصالات
والإنترنت، بل وحتى البنية الاقتصادية لمصر. في هذا التقرير، نستعرض تفاصيل الحادث، أسبابه، تداعياته، وردود الأفعال الرسمية والشعبية.
---
### أولاً: نبذة عن سنترال رمسيس
سنترال رمسيس، المعروف رسميًا بـ"السنترال المركزي
للأزبكية"، يُعد من أقدم مراكز الاتصالات في مصر. تأسس في أوائل القرن العشرين، ويقع في منطقة استراتيجية بوسط
القاهرة بالقرب من محطة مصر وميدان رمسيس. يلعب السنترال دورًا حيويًا في إدارة خدمات الاتصالات الأرضية
والإنترنت، ويُقدَّر أنه يخدم ما يزيد عن 40% من حركة الاتصالات في مصر، إلى جانب دوره في تمرير البيانات عبر الكابلات البحرية.
---
### ثانيًا: تفاصيل الحادث
بدأ الحريق في تمام الساعة الخامسة والربع مساءً، وفقًا لبيانات الحماية المدنية، في الطابق السابع من المبنى، والذي يضم معدات تقنية ومراكز تشغيل خوادم. تطور الحريق بسرعة شديدة نتيجة اشتعال مواد إلكترونية قابلة للاشتعال، وانتشر إلى الطابقين السادس والثامن.
رغم استجابة قوات الحماية المدنية بشكل عاجل، إلا أن طبيعة المبنى وتقادم معداته تسببا في تأخر السيطرة على النيران. استمر الحريق لما يزيد عن ست ساعات، وسط محاولات مستميتة من سيارات الإطفاء التي تجاوز عددها العشرين، مدعومة برافعات هيدروليكية وخزانات مياه إضافية.
---
### ثالثًا: الخسائر البشرية والمادية
* **الخسائر البشرية:**
* 4 وفيات، جميعهم من العاملين في السنترال.
* 27 مصابًا، من بينهم 6 من قوات الحماية المدنية و3 مواطنين، أصيبوا بحالات اختناق وحروق متفاوتة.
* **الخسائر المادية:**
* تدمير جزئي للطوابق العليا من المبنى.
* احتراق عدد كبير من وحدات الخوادم وأجهزة البنية التحتية.
* تعطل مؤقت لخدمات الاتصالات الأرضية والإنترنت في عدد من المحافظات.
---
### رابعًا: تأثير الحريق على خدمات الدولة
أدى الحريق إلى شلل مؤقت في بعض خدمات الاتصالات، لا سيما في مناطق وسط البلد والجيزة وشمال الصعيد. كما شهدت بعض القطاعات البنكية تباطؤًا في العمليات الإلكترونية، وتوقفت أنظمة السداد الإلكتروني لعدة ساعات.
تأثرت أيضًا حركة تداول البورصة لفترة قصيرة نتيجة تعطل بعض خطوط الربط، كما شهد مطار القاهرة الدولي اضطرابًا جزئيًا في نظام الاتصالات الداخلية.
---
### خامسًا: الاستجابة الرسمية
أصدرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بيانًا عاجلًا، أكدت فيه أن فرق الطوارئ تعمل على تحويل خدمات الاتصالات إلى مراكز بديلة لضمان استمرارية الخدمة. كما أعلنت الشركة المصرية للاتصالات عن تشكيل لجنة هندسية لمراجعة سلامة البنية التحتية.
من جهتها، أمرت النيابة العامة بفتح تحقيق موسع في الحادث، واستدعاء مسؤولي السنترال وشهود العيان، لفحص احتمالية وجود إهمال أو تقصير في إجراءات السلامة.
---
### سادسًا: أسباب الحريق الأولية
تشير التحقيقات الأولية إلى أن السبب المحتمل هو **ماس كهربائي** في وحدة تغذية كهربائية غير مهيئة لتحمل الضغط الحراري، ما أدى إلى اشتعال الأجهزة المحيطة وانتشار الحريق بسرعة. وتجرى حاليًا مراجعة شاملة للأنظمة الكهربائية داخل المبنى.
---
### سابعًا: آراء الخبراء
أعرب خبراء الاتصالات والبنية التحتية عن قلقهم من عدم وجود نظم تبريد أو إطفاء آلي حديثة داخل المبنى، وهو ما يعكس فجوة كبيرة في تطوير المنشآت الحيوية. كما أكدوا على ضرورة توزيع مراكز التحكم في الاتصالات جغرافيًا لتفادي تكرار مثل هذه الكوارث.
---
### ثامنًا: ردود الأفعال الشعبية
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة غضب وتعاطف واسعة. اعتبر البعض أن الحريق نتيجة طبيعية لغياب الرقابة والصيانة الدورية، بينما طالب آخرون بإقالة المسؤولين عن القطاع وإعادة هيكلة البنية الرقمية.
---
### تاسعًا: الدروس المستفادة والتوصيات
1. **تحديث أنظمة السلامة:** ضرورة تزويد المباني الحكومية والتقنية بأنظمة كشف وإنذار مبكر، وأنظمة إطفاء آلي.
2. **التوزيع الجغرافي للخدمات:** تقليل الاعتماد على مراكز تشغيل مركزية واستحداث وحدات بديلة في المحافظات.
3. **التحول الرقمي الوقائي:** اعتماد نظام رقمي متكامل لإدارة الطوارئ والاستجابة السريعة للأزمات.
4. **التدريب الدوري:** إلزام العاملين في القطاعات التقنية بدورات توعية وإخلاء في حالات الطوارئ.
---
حريق سنترال رمسيس ليس مجرد حادث مؤسف، بل ناقوس
خطر يجب أن يُدق بقوة. لقد كشف الحادث هشاشة بنية حيوية يفترض أن تكون خط الدفاع الأول لأي دولة عصرية
تعتمد على التقنية. من المهم أن تتحول هذه الكارثة إلى نقطة انطلاق نحو إصلاح شامل وجذري في قطاع الاتصالات، ليس فقط من حيث التقنية، بل من حيث الإدارة والرقابة والتخطيط.
الوقت الآن ليس للوم، بل للتحرك الحازم نحو المست
قبل، حيث تكون الكفاءة والتخطيط والوقاية هي العناوين الرئيسية للبنية الرقمية المصرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرًا لك على تعليقك يسعدنا تواصلك معنا.
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.